الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد فإن الشريعة الإسلامية لما حثت على قراءة القرآن وبينت ما فيه من الأجر العظيم والثواب الجزيل جاءت ببيان بعض الآداب التي ينبغي على القارئ لكتاب الله أن يراعيها حتى تكون القراءة على أفضل وجه وأحسنه .
ويعرض لنا فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله طائفة من هذه الآداب فيقول:
من آداب التلاوة: إخلاص النية لله تعالى فيها؛ لأن تلاوة القرآن من العبادات الجليلة كما سبق بيان فضلها، وقد قال الله تعالى: "فادعوا الله مخلصين له الدين". وقال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء" (سورة البينة، 5)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا القرآن وابتغوا فيه وجه الله عز وجل من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه" (رواه أحمد، وإسناده حسن) ومعنى يتعجلونه يطلبون به أجر الدنيا.
ومن آدابها: أن يقرأ بقلب حاضر يتدبر ما يقرأ ويتفهم معانيه، ويخشع عند ذلك قلبه، ويستحضر بأن الله يخاطبه في هذا القرآن لأن القرآن كلام الله عز وجلومن آدابها: أن يقرأ على طهارة لأن هذا من تعظيم كلام الله عز وجل، ولا يقرأ الجنب القرآن حتى يغتسل إن قدر على الماء، أو يتيمم إن كان عاجزاً عن استعمال الماء لمرض أو عدم، وللجنب أن يذكر الله ويدعوه بما يوافق القرآن إذا لم يقصد القرآن، مثل أن يقول: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ومن آداب قراءة القرآن:-أن لا يقرأ القرآن في الأماكن المستقذره، أو في مجمع لا يُنصت فيه لقراءته لأن قراءته في مثل ذلك إهانة له. ولا يجوز أن يقرأ القرآن في بيت الخلاء ونحوه مما أعد للتبول أو التغوط لأنه لا يليق بالقرآن الكريم.
ومن آدابها: أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند إرادة القراءة لقوله تعالى: "فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم" (سورة النحل، 98)، ولئلا يصده الشيطان عن القراءة أو كمالها، وأما البسملة فإن كان ابتداء قراءته من أثناء السورة فلا يبسمل، وإن كان من أول السورة فليبسمل إلا في سورة التوبة فإنه ليس في أولها بسملة لأن الصحابة رضي الله عنهم أشكل عليهم حين كتابة المصحف هل هي سورة مستقلة أو بقية الأنفال ففصلوا بينهما بدون بسملة، وهذا الاجتهاد هو المطابق للواقع بلا ريب، إذ لو كانت البسملة قد نزلت في أولها لبقيت محفوظة بحفظ الله عز وجل، لقوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
ومن آداب قراءة القرآن:-
أن يحسن صوته بالقرآن ويترنم به، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أذن الله لشيء (أي ما استمع لشيء) كما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به" متفق عليه.
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فما سمعت أحداً أحسن صوتاً أو قراءة منه صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.
لكن إن كان حول القارئ أحد يتأذى بجهره في قراءته كالنائم والمصلي ونحوهما فإنه لا يجهر جهراً يشوش عليه أو يؤذيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال: "إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض في القرآن" رواه مالك في الموطأ، قال ابن عبد البر: وهو حديث صحيحومن آدابها: أن يرتل القرآن ترتيلاً، لقوله تعالى: "ورتل القرآن ترتيلاً" (سورة المزمل، 4)، فيقرأه بتمهل بدون سرعة لأن ذلك أعون على تدبر معانيه وتقويم حروفه وألفاظه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كانت مداً، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم رواه البخاري.
وسئلت أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يُقطع قراءته آية آية ، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذوه هذَّ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة. ولا بأس بالسرعة التي ليس فيها إخلال باللفظ: بإسقاط بعض الحروف أو إدغام ما لا يصح إدغامه، فإن كان فيها إخلال باللفظ فهي حرام لأنها تغيير للقرآن.
ومن آدابها:أن يسجد إذا مر بآية سجدة وهو على وضوء في أي وقت كان من ليل أو نهار، فيكبر للسجود، ويقول: سبحان ربي الأعلى، ويدعو، ثم يرفع من السجود بدون تكبير ولا سلام، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن يكون السجود في أثناء الصلاة فإنه يكبر إذا سجد وإذا قام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع، ويُحَدِّث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. رواه مسلم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام وقعود. رواه احمد والنسائي والترمذي وصححه.
وهذا يعم سجود الصلاة وسجود التلاوة في الصلاة.
هذه بعض آداب القراءة، فتأدبوا بها واحرصوا عليها وابتغوا بها من فضل الله.
اللهم اجعلنا من المعظمين لحرماتك، الفائزين بهباتك، الوارثين لجناتك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمع